أحدث الكتب

الخميس، 28 يناير 2016

هل البشر بحاجة إلى الرسل ؟ مقال يتحدث عن حاجة البشر إلى الرسالات






ربما دون قصد تشكيك من سائله، نسمع هذا السؤال ، هل نحن كبشر بحاجة إلى الرسالات ؟
 
قبل حديثنا عن هذا التساؤل نذكر مقولة للدكتور عبد الحليم محمود في هذا الشأن فقال " إن الرسالات كلها ضرورية للناس، لأن عقل الإنسان وحده لا يستطيع أن يلم بكل الحاجات ولا يملك جماح الشهوات والمغريات"
نعم العقل وحده لا يكفي لمعرفة الله، فكم من عاقل يعبد البقر والشجر والحجر وهو في علمه الدنيوي عالم لا يختلف على علمه المتخصصون ؟
لقد خلق الله عز وجل الإنسان، ووهبه العقل الذي يستطيع أن يميز به بين الأشياء، وارتقى الإنسان بقوة عقله إلى أعلى المراتب، وهام بفكره في شتي بحور المعرفة،وتطاولت شهوات عقله بحثا للوصول إلى أسرار الكون، وأسرار العلوم، إلا أن هذه العقول سرعان ما تصغر وتتضاءل متي عُرض عليها أمر لا تعرف له سببا، أو تدرك له منشأة، لذا فقد ساقته فطرته إلى الشعور بقاهر تنساق النفس إلى معرفته، وأن هناك قوة أرفع من قوته، وقوة ما ظن غلبته عليه من حوله. 
 
إن هذا الشعور ملازم للغريزة البشرية، فكل نفس تشعر وكأنها مسوقة إلى معرفة هذه القوة العظمي ـ التي تهيمن على كل ما في الكون ـ فتسعى إلى طلبها، إما بحسها أو بعقلها، فمنهم من ظنها في بعض الحيوانات، إما لشدة نفعها كعبّاد البقر أو لشدة ضررها كعبّاد الأفاعي، ومنهم من ظنها في بعض الظواهر الكونية كالشمس والقمر، كما كان حال ملكة سبأ وقومها قبل إسلامها مع سليمان عليه السلام ، ومنهم من تضاربت عليه الأمور فاتخذ مما يصنع آلهة يتقرب بها إلى الله سبحانه،كأصنام العرب قبل الإسلام،ومنهم من عبد النار، ومنهم من عبد الأشجار، ومنهم من لم يكلف نفسه البحث عنها، فأسلمه عقله إلى شهواته، فإن عقول البشر متفاوتة، والتفويض إليها يؤدي إلى الشقاق والنزاع بسبب اختلافهم حول خالقهم، بل وربما الضياع وهم يبحثون عن الحقيقة، لذا وكما مَنّ الله عز وجل على الإنسان بالعقل يدّبر به أمور معيشته وميزه به عن غيره، مَنّ عليه بأن اصطفى له من بين أفراده هاديين ومرشدين، ميزهم بخصائص أفردهم بها عن أهل زمانهم، وأيدهم بمعجزات تخاطب عقل العاقل فترده إلى رشده، وتبهر بصر الجاهل فتحدد له وجهته .

وهنا يتضح لنا حاجة البشر إلى هداية النبوة في ثلاثة أمور لا يمكن لمعارفهم المكتسبة بالحواس والعقول الإلمام بها :

أولها) بيان حق الله تعالى على العباد: من وجوب الإيمان بوجوده ووحدانيته وكماله، وبيان صفاته التي لا يُشارك فيها، وتنزيه لذاته وإظهار سلطانه القاهر فوق عباده، فالعقل البشري الذي أيقن أن للكون قوة عُظمى تتحكم فيه وتهيمن على كل شيء، أخذ في البحث عن هذه القوة العُظمى، لكنه وفى أثناء البحث عنها ضل الطريق، فتأولها فيما ظن قوته فيمن حوله من حيوانات، أو كواكب، أو غير ذلك، وعجزت العقول عن فهم هذه القوة العظمى، واختلف الناس في شأن خالقهم، والاهتداء إليه، فاصطفى الله عز وجل منهم من يرشدهم إلى صواب الأمر، ويُعلّمهم حقيقة الخالق سبحانه، فأرسل فيهم رسلا منهم، ترشد عقولهم إلى معرفة الله عز وجل، وما يجب أن يُعرف من صفاته ويجمعونهم على إله واحد لا يستحق أن يعبد سواه، ويعلمونهم كيف يتقربون منه بما شرع لهم من الدين دون وساطة من أحد من الخلق، وبيان ما به شكره، وما فيه رضاه، فيسلم الناس من الخلاف في شأن خالقهم، وتهتدي عقولهم إلى معرفته سبحانه.

ثانيها ) بيان ما يجب على الناس اعتقاده ببقاء النفس الإنسانية بعد الموت وأن لها حياة أخرى بعد الحياة الدنيا، لها مقاييس مختلفة، يحاسب فيها البشر على أعمالهم طيبها وخبيثها، واعتقاد الحياة بعد الموت إلهام أوجده الله في نفوس البشر، إلا أنهم تباينوا في تصوير هذا البقاء، وفيما تكون عليه النفس فيه، ولأن الله قد وهب الإنسان العقل والتفكير اللذان هما عماد بقائه في هذه الحياة، فإن النفس البشرية صارت مفطورة على رفع الحُجب عن هذه الحياة المستقبلية، ومعرفة حال الإنسان فيها، فكان أن جعل الله من مراتب النفس البشرية مرتبة يُعِد لها بعض من خلقه يبلغ بأبدانهم إلى التمام، وأرواحهم إلى الكمال، ويهذب عقولهم، فتشرف على الغيب بعلمه سبحانه، ويعلمون تفاصيله وكأنهم قد رأوها رأي العين، يكشف لهم من أسرار الغيب ما إن انكشف لغيرهم لضلت عقولهم، وأمرهم بتبليغ الناس عن أحوال الدار الآخرة، بما تحمله طاقة عقولهم، وما تدركه أفهامهم، وأن يبينوا للناس من الأعمال ما فيه سعادتهم وما فيه شقاؤهم في الآخرة، ثم يؤيدهم بالآيات التي تدل على صدق رسالتهم، فتقوم بهم علي الناس الحجة، وتنقطع عنهم الأعذار.

ثالثا) وضع قانون عام ينظم حياة البشر ويقيم العدل بينهم فالإنسان مخلوق اجتماعي بفطرته، وكلما زادت مطالب الفرد في معيشته زادت حاجته إلى الجماعة التي يعيش فيها، فيتحقق التعاون بين أفرادها، إلا أن البشر متفاوتون في عقولهم، ومواهب فهمهم، وفى قدرتهم على العمل، فمنهم القادر، ومنهم العاجز، ومنهم من يقنع بما بين يديه ويرضى، ومنهم من ينساق خلف شهواته وتجره أطماعهإلى أخذ ما ليس من حقه......،لذا كان البشر في حاجة إلى نظام تستقيم به أمورهم، ويكون ركيزة بقاءهم في الحياة، نظام قائم على العدل بين جميع أفراد الجماعة، ولكن من الذي يضع القواعد ؟
إن من يضع هذه القواعد لابد وأن يكون على دراية تامة بكل مصالح الناس، وما تأتى به الأيام من مستجدات، وألا يكون للهوى والرغبات مكانا في صياغة هذه القواعد، والقوانين الوضعية التي صاغتها عقول البشر عجزت عن مجاراة مستجدات الأيام، ناهيك عن أن البشر فطِروا على عدم الخضوع لرأي من يماثلهم، وقد يكون مُنّفِذ القانون أول من يخالفه، ظنا منه بعلو مكانته عمن صاغه .
لذا كان البشر بحاجة إلى قانون يشمل العدل بكل صوره، ويلم بكل شئون الناس في أي وقت وفي كل زمان، قانون تعجز العقول عن صياغة مثله، فكان أن وضع الله عز وجل ـ وهو العليم بشؤون البشرـ قانونا ينظم أحوال الناس ويجمع كلمتهم، ويقيم العدل بينهم، يصل إليهم على يد بشر مثلهم، اصطفاهم الله وطهرهم، ولم يجعل للدنيا وشهواتهاسلطانا عليهم، حملوا أمانة التبليغ من الله إلى البشر، ووضعوا لهم بأمر من الله حدودا عامة، ترعى كل حقوق البشر ولا تقبل الجور على حق أحد، وتحترم الأعراض، وتبين حرمة دماء البشر، والمباح والمحرم من الأفعال.
لقد كانت بعثة الرسل حاجة من حاجات البشر،وكمالا لنظام اجتماعهم، وطريقا لسعادتهم في الدنيا والآخرة، فمنزلة الرسل من الأمم كالعقول من الأشخاص، وبعثتهم حاجة من حاجات العقول البشرية, ونعمة ميّز الله تعالى بها الإنسان عمن دونه من الكائنات. 
 
أسامة عبد العظيم
 

إرسال تعليق

 
جميع الحقوق محفوظة © 2015 كتب مجانية

تعريب مداد الجليد