لقد غدا البحث عن الشخصية المسلمة وإعادة تربيتها وإعدادها، أمرا ملحا أكثر من أي وقت مضى، فإننا نحيا عصر العولمة الذي أصبحت فيه الشخصية الإسلامية تعاني اضطرابا في المفاهيم، وتخبطا في الأفكار، واختلاط الغث بالسمين، والأصيل بالدخيل، والثابت بالمتغير، فغدا المسلم وكأنه تائه في دروب عديدة لصحراء لا يعرف لها نهاية، وفي هذا التيه فقدت الشخصية المسلمة تفردها وتميزها، فاقتضى الواقع إعادة هيكلة مناهج التربية، وإعادة صياغة الأفكار والمفاهيم بالرؤى الإسلامية، لا بالرؤى الغربية، والبدء في عمليات إصلاح بنيان الأمة، وهذا الإصلاح لن يتأتى إلا بتحرير الإرادة، وتحرر الضمير، والشعور الفعلي من داخل النفس بضرورة التغيير، والتخلص من رواسب الواقع وتأثيراته، الأمر الذي يمكِّن من إعادة صياغة الإنسان، وتصحيح مفاهيمه، وإعادة تشكيل أفكاره، فهو أداة التغيير وهدفه في وقت واحد، وتأثيره في الواقع أعظم من تأثره به .
لقد فطن المسلمون اليوم لكثير من العلوم في شتى المعارف، لكنهم جهلوا علما غاية في الأهمية، إنه علم الهندسة البشرية، ذاك العلم الذي يعتني بالفرد المسلم، فيحرر إرادته؛ ليكون أهلا لحمل الرسالة الإلهية، فما أيسر الحفاظ على الجنس البشري على قيد الحياة، لكن ما أصعب جعله عنصرا نشطا فعالا، فبناء صرح الغد يعتمد أول ما يعتمد على بناء النفوس، وهذه أشقّ مهمة تواجه كل مصلح، إلا أن براعة التخطيط، ووضوح المنهج، وتعبئة كل الوسائل المُعينة على تحقيقه وحمايته مما يتربص به من مؤامرات يشنها دعاة التحرر من كل قيد، حتى قيد الدين والإيمان بالمسئولية، كل هذا من شأنه أن يحث الخطى نحو بناء جيل الصحوة المسلمة، فالأمم في طريق سعيها للرقي بحاجة إلى عقول تؤمن بسمو الغاية، وترسم خطى المستقبل وفق منهج الإسلام الذي واجه واقع متشبع بكل صور الفساد والانحراف في كل صور الحياة، وسط عمية الصحراء، وعقول فارغة من الهدف، بل وحياة لا معنى لها، فنهض رسول الله r بهذا المنهج بأمة كانت على هامش البشرية كلها، فقضى به على باطل العادات، وفاسد العبادات، وضلال التقاليد، وانتقل بها إلى ركب العالمية وقيادة البشرية قاطبة .
أما حالنا الآن فغدا يُرثى له، نقبل أنصاف الحلول، بل وأشباه الحلول، أما الحل الإسلامي فيرد ولا يُقبل
نقبل كل التجارب والنظريات والمناهج الوضعية، حتى بعدما أثبتت فشلها في منبعها الذي خرجت منه، أما منهج الإسلام فلا نقبله
تتحول دفة الحياة في مجتمع بأكمله، بل وربما في أمة بأكملها، انتصارا لفكرة غربية أو دعوة علمانية، أما الأفكار الإسلامية فليضرب عليها المُكث لأمد بعيد داخل المجلدات
نلهث خلف زيف الحرية الغربية، وإذا تحدثنا عن الحرية في الإسلام فلا نجد إلا آذانا صماء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أسامة عبد العظيم
إرسال تعليق