أحدث الكتب

الأحد، 7 فبراير 2016

من أخلاق الصحابة في طلب العلم






   
(( الإصغاء وأدب الاستماع ))  

كان إجلال الصحابة لرسول الله أقوال تطبقها أفعال، فكانت معاملتهم لرسول الله r ترجمة حية لصدق إتباعهم لهديه، كان إذا تحدث سكتوا، وإذا تحدثوا تأدبوا بأدب القرآن [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ] (1) تعلوهم السكينة ويغشاهم الوقار والهيبة من حديث رسول الله 

قال أبو سفيان بن حرب عنهم : ما رأيتُ في الناس أحدا يحبُّ أحدا كحبِّ أصحابِ محمدٍ محمدا"
قال علي بن أبي طالب واصفا أخلاقه مع أصحابه وأخلاقهم معه " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ صَخَّابٍ وَلاَ فَحَّاشٍ، وَلاَ عَيَّابٍ وَلاَ مُشَاحٍ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لاَ يَشْتَهِي، وَلاَ يُؤْيِسُ مِنْهُ رَاجِيهِ وَلاَ يُخَيَّبُ فِيهِ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاَثٍ: الْمِرَاءِ وَالإِكْثَارِ وَمَا لاَ يَعْنِيهِ.
وتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلاَثٍ : كَانَ لاَ يَذُمُّ أَحَدًا وَلاَ يَعِيبُهُ، وَلاَ يَطْلُبُ عَوْرتَهُ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ
وَإِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا لاَ يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ، وَمَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ، حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يِطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ ، وَلاَ يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ وَلاَ يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ  (2)
 
(( أدب السؤال )) 

ففي الوقت الذي اعتمد فيه النبي r طرح الأسئلة كأسلوب تربوي، جعل لهذا الأسلوب آداب وأخلاق تحفظ للعالم حقه وفي الوقت نفسه تقضي للسائل حاجته، فبينما كان الأعراب يسألون عما يفيد وما لا يفيد، كان أصحاب رسول الله r شديدي الحرص على السؤال عما فيه فائدة، ومن الإجابة عليه مصلحة، يقصدون بها العلم وصالح العمل، خالية من التكلف متحررة من العبث والتنطع، بسيطة المنطق، محددة المقصد، بعيدة عن المتشابهات، وهذه كلها من آداب السؤال، وقد عدّ العلماء جملة من الضوابط والآداب التي يجب أن يتحلى بها طالب العلم في سؤاله، منها
** تجنب السؤال فيما لا يُعني أو فيما لا فائدة فيه
**عدم السؤال عن الحقائق بغرض التشكيك فيها أو الاستهزاء بها
** تجنب الأسئلة التعجيزية والسؤال عما يسوء وتشق الإجابة عليه و تجنب الإلحاح في السؤال
**الإعراض عن التساؤل على سبيل الاستهزاء والعناد
**احتمال عناء السؤال والحرص على التعلم به
** التريث وعدم الاستعجال والأدب في طريقة السؤال والاعتذار إذا كان فيما لا يرغب أن يُسأَل فيه المعلم
** البعد عن التعصب لرأي واحد ومصادرة ما دونه من الآراء
** الاعتماد على الموضوعية في النقاش والتركيز على الأدلة والبراهين
فهذه جملة من الآداب التي يجب على السائل أن يتحلى بها وألا يتجاوز حدود الأدب مع معلمه

 (( التحلي بآداب تلقي العلم )) 

 فلتلقي العلم آداب وأخلاق تشمل العالم والمتعلم، فأما آداب طلب العلم فمنها 
** إخلاص النية وقصد وجه الله تعالى، قال رسول الله r « مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » يَعْنِى رِيحَهَا. (3)
** التخلية من كل مفاسد الأخلاق والأعمال قبل التحلية بالجهد في طلب العلم النافع
** استحضار القلب في طلب العلم والترفع عن متع الدنيا التي تشغله، قال الشافعي رحمه الله : لا ينال أحد هذا العلم بالمال وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح.
** اعتماد الوسطية والاعتدال في كل أمور حياته، فإنما هي صفة هذه الأمة في كتاب الله تعالى[وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا] (4)
** تحري الورع في كل أمره، فلن يصيب العبد حقيقة الإيمان إلا إذا أقام جدارا بين الحلال والحرام، واجتنب الشبهات، قال عبد الله بن عمر (( إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها ))
وقال عبد الله بن المبارك 
يا طالب العلم بادر الورعا                 وهاجر النوم واهجر الشبعا
** تنقية الأصدقاء ومصاحبة أهل الصلاح والتقوى، ومجانبة أهل الفسوق والعصيان، ففي صحبة الصالحين خير عظيم، إذا ذكر أعانوه، وإذا نسي ذكروه، وإذا غفل أرجعوه، وإن احتاج واسوه، وإن ابتلي صبروه.
وفي الأثر أن عيسى u قال (( تقربوا إلى الله ببغض أهل المعاصي والتمسوا رضوانه بالتباعد منهم، قالوا فمن نجالس؟  قال : من تذكركم بالله رؤيته ويرغبكم في الآخرة عمله ويزيد في علمكم منطقه ))(5)
** الإعراض عن الخلافيات ومواضع الشبهات وتعلم ما ليس فيه فائدة
** قصر الأمل وتجنب التسويف، قال r (( اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل مرضك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك )) (6) 
**التحلي بمكارم الأخلاق وتطبيق الإسلام في سلوكه وأخلاقه ولاسيما التواضع
قال عبد الله بن المبارك (( أول العلم: النية ثم الاستماع ثم الفهم ثم العلم ثم الحفظ ثم النشر ))
وقال الإمام الشوكاني
العِلْمُ رُوحُ الْمَعالي وَهْي إنْ حَصَلَتْ       بِدونِ علْمٍ بلا رُوحٍ ولا مُهَــــــــــجِ
كَمْ مِنْ فَتىً تَزْدَرِيهِ العَيْنُ وَهُـــوَ إذا       أَعْيَاكَ مُعْضِلُ دينٍ جَاءَ بالفَـــــــرَجِ
ومِنْ فَتىً تَمْلأُ الأَبْصارَ طَلْعَتُــــــــهُ       لا يَعْرِفُ الفَرْقَ بَيْنَ الْمَرْجِ والْمَرَجِ




(1) {الحجرات:2}                            
(2)الشمائل للترمذي حديث351
  (3) سنن أبي داوود 3666وسنن ابن ماجة 260ومسند أحمد 8681وصحيح ابن حبان 78والحاكم في المستدرك 288وقال حديث صحيح سنده ثقات على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وصححه الحافظ ابن حجر في الفتح والألباني في سنن ابن ماجة وفي صحيح الترغيب والترهيب 105وصححه شعيب الأرنؤوط  في تحقيقه صحيح ابن حبان

(4){البقرة:143}                                                     
(5) حلية الأولياء
(6)المستدرك على الصحيحين للحاكم 7846 وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه  ووافقه الذهبي وفي صحيح الجامع الصغير حديث رقم : 1088

إرسال تعليق

 
جميع الحقوق محفوظة © 2015 كتب مجانية

تعريب مداد الجليد